تم التحديث في: 23 يونيو .
تحليل العمل الفني لفاسكو ناسوري على أرضية الساحة التي أمام كنيسة "التطويبات"
في عام 1983 تم وضع الفسيفساء في صفين على الأرضية التي أمام الكنيسة على جبل التطويبات.
النحات الإيطالي فاسكو ناسوريי (Vasco Nasorri), له باع في النحت على السيراميك والتراكوتا والبرونز؛ وقد تمت دعوته ليضع أعماله في ساحة مدخل الكنيسة. وترتبط أعماله بفكرتين كلاسيكيتين في المسيحية؛ هما: "تطويبات" يسوع، وشخصيات القديسين كقدوة تحتذى.
العمل على الجانب الأيمن- يشمل آيات "التطويبات" (وهي آيات مقتبسة من "عظة الجبل" الواردة في الإصحاح الخامس من إنجيل متى) مكتوبة على أشرطة في ميداليات تربط أورشليم الأرضية بأورشليم السماوية.
العمل على الجانب الأيسر- يشمل مجموعة مؤلفة من 13 ميدالية المتداخلة مع أغصان العنب، منها ثماني ميداليات منحوتة على كل منها ثلاث شخصيات: واحدة من العهد القديم، وواحدة من العهد الجديد، وواحدة من مجمع القديسين الكاثوليك.
* استعنت في هذه المقالة بالصور، وأنا ممتن للغاية للمصور موشيه ريمر، الذي أتاح لي الاطلاع على صوره بكرم بالغ.
في هذه الأيام التي تبدأ فيها الكنائس بفتح أبوابها للزوار بشكل تدريجي، ومع عدم وجود سائحين حتى الآن، أقترح تقسيم المرشدين إلى مجموعات صغيرة تخرج للتدريب الذاتي.
فعلى سبيل المثال: إذا وصلتم إلى الأماكن التي تحيط ببحيرة طبرية، فبإمكانكم أن "تستمتعوا بوقتكم" على جبل التطويبات، وأن تقفوا خارج الكنيسة، وأن تتمتعوا بكل التفاصيل دون إزعاج. ثم بعد ذلك افعلوا الشيء نفسه داخل الكنيسة.
وفيما يلي قائمة بأعمال "فاسكو ناسوري" وهي أعمال لا بد أنكم ومرشدين آخرين وعشرات المجموعات التي تزور الموقع، قد مررتم فوقها...
لا تفهموني خطأ: لا أعتقد أنه يجب التوقف عند كل هذه التفاصيل عند إرشاد مجموعات من السائحين. إلا أنه بالنسبة للمهتمين "بشدة" وللمرشدين، فأنا أرى أن هذه فرصة ذهبية للترويح عن النفس من خلال التعرف على التفاصيل الموجودة في الساحة. فهي - من ناحية - فرصة للابتهاج من خلال التعرف على التفاصيل المختلفة والشخصيات المتنوعة، وهي -من ناحية أخرى- فرصة لفهم الرسائل المسيحية وتعميق المعاني الدينية من خلال الفن.
الفنان "فاسكو ناسوري" أثناء توقيعه على العمل
قديسو جبل التطويبات
الفسيفساء الشمالية (على اليسار، إذا كنتم تقفون أمام الكنيسة) مخصصة لشخصيات القديسين.
يظهر القديسون في الأغصان / الميداليات، والمصطلح المهني لمثل هذا القالب الفني هو:
"الأغصان المتشابكة" في هذا العمل، يتضمن كل غصن (أو ميدالية) ثلاث شخصيات.
وبسبب كثرة عدد الشخصيات المقدسة في المسيحية – كان على الفنان (أو صاحب العمل) أن ينتقي بعض القديسين. إن أسباب اختيار هؤلاء القديسين الذين يتم انتقاؤهم، وكذلك أسباب وضعهم عمدًا بجانب قديسين آخرين، كل ذلك مثير للاهتمام والتفكير.
تتم كتابة المقالات حول هذا النوع من التساؤلات، فيتكسب علماء الفن من وضع فرضيات لاختيارات الفنانين ورعاتهم؛ ومن هذه التساؤلات:
لماذا يظهر النبي يعقوب في العمل وليس النبي إبراهيم؟
لماذا داود وليس الملك سليمان؟ لماذا راعوث وليس إستير؟
من بين مجموعة شخصيات العهد الجديد لماذا يظهر بولس (الذي لم يكن موجودًا في الجليل على الإطلاق)؟ وما علاقة شهداء سفر الرؤيا المجهولين بـجبل التطويبات؟
ليس لدي إجابات (ربما لديّ بعض الفرضيات) ولكن سأذكر فيما يلي ملخصًا لجميع الشخصيات التي تظهر في هذا العمل:
ثماني شخصيات توراتية هي: نوح، ملكي صادق، يعقوب، موسى، صموئيل، داود، أيوب وراعوث
ثماني شخصيات من العهد الجديد؛ هي: يوحنا المعمدان، مريم (حاملة يسوع)، يوسف (ويسوع في المهد)، بطرس، بولس، اسطفان وشهداء سفر الرؤيا.
ثمانية قديسين (معظمهم إيطاليون)؛ وهم: أوريليوس أمبروزيوس من ميلان، فرانسيس وكلارا من أسيزي، كاترينا من سيينا، جوزيفا أوتولينجي والقديس أوجستينوس ووالدته مونيكا. وواحد من "عندنا"؛ هو: أوغسطينوس الشهيد (المعروف بالقديس جاستن) من نابلس.
مجموعة من الأتقياء
في منشور سابق قمت بعرض الميدالية التي تتضمن الشخصيات التالية: راعوث المؤابية (وردت في التوراة)، مريم أم الرحمة وردت في العهد الجديد) والقديس جوزيفا أوتولينجي (القرن التاسع عشر). وذكرتُ أن ما يميز هذه الثلاثية معروض في ميدالية مريم في كلمة: MISERICORDIA-الرحمة.
تكون الكلمة من الفعل MISERERI=رَحَمَ, وكلمة COR ومعناها: قلْب.
يُطلق على مريم "أم الرحمة" - MATER MISERICORDIA، وهكذا تضم ابنها إلى حضنها بعطف ورأفة. تظهر مريم في وضعية الجلوس كما في النحت الكلاسيكي - كتجسيد للرحمة:
امرأة عظيمة تجلس على كرسي قوي. إن كل شيء فيها يجسد الرحمة.
أما عن راعوث المؤابية فهي شخصية توراتية تمثل المرأة الضعيفة المستفيدة من الرحمة.
إن راعوث - شأنها شأن المسيح في حضن أمه الرحيمة - تنعم بالحياة بفضل قيمة الرحمة، وبفضل تطبيق قيمتي الإحسان والبر لدى الأم – أعني الشريعة اليهودية. وهي هنا في الفسيفساء تجمع السنابل في حقول بيت لحم، وتنعم بالرحمة والحياة بفضل أحكام التوراة بشكل عام وبفضل سلوك بوعز بشكل خاص..
لماذا حظي هذا القديس بالانضمام إلى هاتين المرأتين المشهورتين؟
هذا القديس اسمه Giuseppe Benedetto Cottolengo, أو كما يظهر في الميدالية باللغة اللاتينية-
.Joseph Benedictus Cottolengo
ولد في إيطاليا عام 1786، وهو الأخ الأكبر لـ 12 شقيقًا. التحق بالفرنسيسكان وأصبح كاهنًا. وذات يوم - عندما رأى بعينيه مريضة بالسل تحتضر وتموت وهي تلد، لا لشيء إلا لأنهم لم يوافقوا على دخولها المستشفى، ورأى أولادها الأيتام الذين ظلوا يبكون بعدما نُبذوا – عندما رأى ذلك حوّل منزله إلى مستشفى. وظل طوال حياته يشيد العديد من مؤسسات رعاية المرضى على اختلاف أنواعهم، ومع مرور الزمن أصبح بيته منظمة دولية تحمل اسم "البيت الصغير للعناية الإلهية" (Little House of Divine Providence ). توفي أوتولينجي سنة 1846 وقد تركت شخصيته بصمة واضحة تدل على أنه كان رجلًا خَيّرا. وكان من البديهي في جبل التطويبات - التابع للفرنسيسكان الإيطاليين - أن يتم اختياره ليكون نموذجًا للقيمة الكتابية ذاتها، ويكون تجسيدًا للرحمة MISERICORDIA.
مجموعة الوعود في اليوم الآخِر
هناك مجموعات من الشخصيات التي من الصعب جدًّا فهم العلاقة بينها، (ليس فقط لأنها باللغة اللاتينية...)، بل لأن النصوص الكتابية لا تساعد بالضرورة في تفسير ذلك. فمن هذه المجموعات - مثلا - تلك المجموعة التي تضم نوحًا في الفلك، وتضم
"أرواح المذبوحين" - وهم الشهداء الوارد ذكرهم في آخر أسفار العهد الجديد، وتضم القديس أوغسطينوس الكبير.
وعلى مدالية نوح مكتوب باللاتينية: "رَجُلاً بَارًّا كاملا في بني جيله"
(التكوين: 6/ 9)
("vir justus in generationibus suis" Gen 6: 9)
تشتمل الميدالية التي تحتها على كثير من التفاصيل:
هناك كتاب موضوع على مذبح، وتحت المذبح سماء شخصيات أطلق عليها: "أرواح المذبوحين" -ANIME INTERFECTORUM, وهي تتساءل"حَتَّى مَتَى يا سيدي …لا تَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا?" كما هو مكتوب في سفر الرؤيا (سفر رؤيا يوحنا: 6/ 10). وباللاتينية: quo Domine … non vindicassanguinem nostrum? Ap. 6, 10
إذًا ما العلاقة مع القديس أوغسطينوس الموجود في الميدالية الثالثة؟ إنه عالِم لاهوتي، عاش في القرنين: الرابع والخامس، وهو أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في المسيحية عبر عصورها. إنه بلا شك أهل لأن يُذكر اسمه في كل كنيسة كاثوليكية في العالم، لكن لماذا ذُكر هنا؟ ربما مفتاح اللغز موجود في يده اليسرى: إنه يحمل مدينة. فهل هذه المدينة هي أورشليم السماوية التي كتب عنها كتابه الضخم ""مدينة الرب"-De Civitas Dei? إذا كان الأمر كذلك، وكانت المدينة هي أورشليم السماوية، فربما يكون ذلك تلخيصًا لوعد الله للمؤمنين الذين ثبتوا على درب الحق: وهذا يتوافق مع سفينة نوح التي تحمل المؤمنين إلى شاطئ الأمان، كما يتوافق مع تعزية الرب لأرواح المذبوحين الذين يعانون اليوم، لكنهم في نهاية المطاف سيصلون إلى المدينة السماوية.
لا أعرف ما إذا كان هذا قصد الفنان... لم أستطع تفسير كل شيء، لكنني ابتكرتُ تفسيرًا...
وعلى أي حال فإن أورشليم السماوية التي كتب عنها أوغسطينوس بشوق، ستكون موضوعًا مهمًا للغاية في حديثنا عن أرضية اللوحة الجنوبية التي صنعها فاسكو ناسوري. وهذا ما سوف تتعرفون عليه في نهاية المقال.
مجموعة لا تفسير لها ولا موضوع (وهي بالتأكيد موجودة - لكنني لم أجدها...)
مجموعة أخرى مهمة من الشخصيات والاقتباسات لفتت انتباهي:
موسى يحمل لوحَي العهد، استيفانوس أثناء رجمه، والقديس أمبروزيوس - الذي كان معلم القديس أوغسطينوس الكبير الذي سبق ذكره في الميدالية السابقة...
النبي موسى، يتم تصويره على أن به نتوءات فى رأسه تذكرنا بالقرون (وفق تقاليد الفن المسيحي)، وهو يحمل لوحَي العهد، وبجواره شجرة ربما الهدف منها تذكيرنا بعلّيقة موسى. مكتوب عنه باللاتينية: vir humilimus super omnes homines, ومعناه: " وكان موسى رجلا متواضعا جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض " (العدد: 12/ 3)
لا تذكر الميدالية المجاورة لميدالية موسى اسم الشخصية الراكعة على الأرض، لكن الشخصيات التي تحمل الحجارة للرجم ، وكذلك الفقرة المقتبسة من الإصحاح السابع من سفر أعمال الرسل، لا تترك مجالًا للشك:
هذا هو مشهد رجم القديس ستيفانوس الشهيد الأول. والشهيد - بنبل أخلاقه - يدعو لقاتليه، ويقول: Domine ne statuas illis hoc peccatum, ومعناه: "يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ!" (أعمال الرسل: 7/ 60).
القديس أمبروزيوس جدير بالاهتمام على مر تاريخ الكنيسة الغربية بشكل عام؛ لكونه رجل دين بارزًا، ومثقفًا، وأسقفًا ذا أثر بالغ وقوي. تضمنت كتاباته تفاسير، وفكرًا، وأشعارًا دينية، ولذلك شبهوه ببالنحلة التي تنتج العسل. لاحظوا في الميدالية أن الرسام أضاف إلى الصورة نحلًا...
ويبدو أنه بسبب هذه العلاقة أضافوا إلى جواره جملة لاتينية مقتبسة من سفر نشيد الأناشيد! (شكرًا لصديقتي الراهبة كريستين من القدس/ وشكرا لساو باولو التي قامت بفك رموز الجملة لأجلي)
favus distillanslabia tua... mel et lac sub lingua
"شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا...تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ " (نشيد الأناشيد: 4/ 11)
النصوص التي على أرضية لوحة القديسين
إجمالي ما ذكره الرسام على الأرضية: 13 اقتباسًا كتابيًا، وها هي جميعها:
نوح: رَجُلاً بَارًّا ...كان فِي أَجْيَالِهِ" (التكوين: 6/ 9)vir justus in generationibus suis Gen 6, 9
ملكي صادق: "مَلِكَ سَالِيمَ؛ أَيْ "مَلِكَ السَّلاَمِ" (الرسالة إلى العبرانيين: 7/ 2) REX SALEM QUAD EST REX PACIS
موسى: والرَّجُل مُوسَى كَانَ أحلم مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ" (العدد: 12/ 3
|erat enim Moyses vir humilimus super omnes homines Num 12 3
صموئيل: وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ (صموئيل الأول: 3/ 19) et Dominus erat cum eo Sam I 3:19
داوود: أَصَابُونِي فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي; (المزامير: 18/ 19) | Oppugnaverunt me in die afflictionis meae Ps.18 19
يعقوب: وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ (التكوين: 37/ 34) | lugens filium suum GEN. 37 34
أيوب: الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ (أيوب: 1/ 21)| Dominus dedit Dominus abstulit Iob. 1 31
يوسف: أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ (المزامير: 105/ 21) | Constituit eum Dominum domus sua
بطرس: وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا (متى: 26/ 75) | ploravit amare . Mt. 26, 75
بولس: فَلْنَعْكُفْ إِذًا عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ (رومية: 14/ 19) | quæ pacis sunt, sectemur Rom 14
ستيفانوس: يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ (أعمال الرسل: 7/ 60) | Domine ne statuas illis hoc peccatum
أرواح المذبوحين (الشهداء): أرواح المذبوحين (الشهداء): "حَتَّى مَتَى يا سيدي …لا تَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا? (رؤيا يوحنا: 6/ 10 |
ANIME INTERFECTORUM - quo Domine … non vindicas sanguinem nostrum? Ap. 6, 10
نشيد الأناشيد: "شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا...تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ (نشيد الأناشيد: 4/ 11) |
favus distillans labia tua... mel et lac sub lingua
(يظهر الاقتباس على الميدالية مع القديس أمبروزيوس من ميلانو، وهو القديس الذي شبهوه بالنحل ...)
حاولوا أن تتعرفوا بأنفسكم على الشخصيات في الميداليات التالية:
هذا تمرين جميل للتعرف عليهم جميعًا (خاصة بعد تزويد الألوان ببرنامج الفوتوشوب...)، ثم قوموا بالتفكير في سبب تجميع بعض الشخصيات معًا.
بعد انتهائكم من التعرف على الشخصيات ومن فهم الرسائل التي تنقلها تلك الشخصيات على أرضية الميدالية -
يمكننا أن ننتقل إلى أرضية لوحة التطويبات. سيكون التعرف عليها أسهل.
=============================================================
أورشليم السماوية والتطويبات
أرضية اللوحة الجنوبية (من جهة اليمين، إذا كنتم تقفون أمام الكنيسة) مخصصة لموضوع الجبل بأكمله:
التطويبات.
قسم "متى" تعاليم المسيح على ثلاثة إصحاحات (5 - 7) وافتتحه بثماني جمل مشهورة يعرفها كل مسيحي؛ تبدأ جميعها بكلمة: "طوبى لـ... ".
الجملة الأولى - على الأقل - يعرفها كل نصراني؛ وهي:
طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
Beati pauperes spiritu : quoniam ipsorum est regnum cælorum.
كلمة Beati التي تترجم إلى "طوبى"، والتي تعني "بشرى" - "Blessed" مأخوذة من أول سطر في المزمور الأول من سفر المزامير:
Beatus vir = طوبى للرجل
هذا هو أصل تسمية المكان (جبل التطويبات)، و(كنيسة التطويبات)
Mount Beatitude/ Church of the Beatitudes.
وفي اليونانية - وهي اللغة التي ترجم عنها نص العهد الجديد - مكتوب μακάριοι /makarioi- ومن هنا جاء الاسم اليوناني "ماكريوس"؛ أي "المبارك" (كاسم أول رئيس لقبرص: المطران ماكريوس).
ويضيق المجال عن أن نتحدث عن موعظة الجبل، أو عن التطويبات.
والشيء المهم في هذا العمل - من وجهة نظري - هو كيف ترى الكنيسة مكافأة المساكين، والرحماء، وبذوي الأخلاق الحميدة ممن قصدهم يسوع.
يصف الفنان بشارة الكنيسة بقوله: إن المساكين والرحماء والمتعطشين إلى البر، كلهم سيغادرون أورشليم التي نعيش فيها الآن، أي سيغادرون وادي البكاء في العالم الأرضي، وسيصعدون إلى أورشليم السماوية؛ إلى الفداء.
هذا هو السبب في حفظ التطويبات الثمانية في ميداليات زهرية مبهجة، وللسبب نفسه يحلّق أربعة ملائكة بين
أورشليم السماوية وأورشليم الأرضية. وإذا كانت التطويبات مقتبسة من إنجيل متى فإن مصطلح: ""أورشليم الحاضرة" - في مقابل "أورشليم السماوية" - مقتبس من كلمات بولس في الرسالة إلى أهل غلاطية".
ونجد عند بولس أن أورشليم الأرضية هي مدينة العبودية (ربما العبودية للهيكل وللشريعة)، ويفسر أوغسطينوس العبودية بأنها عبودية للخطيئة.
يصف بولس المدينة "السماوية" بأنها "حُرّة", ويعقب أوغسطينوس - بأن المقصود هو التحرر من الخطيئة الأصلية وعواقبها.
لا بد أن فاسكو ناسوري قد تردد في وصف أورشليم؛ وهذا ما جعله يتصور المدينة كما وردت في الفصول الختامية من سفر رؤيا يوحنا المعتمد على وصف أورشليم السماوية في سفر حزقيال؛ حيث قيل:
وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَال، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ بَابًا (رؤيا يوحنا: 21/ 12).
في هذه المدينة السماوية - التي هي المكافأة المناسبة للمساكين والرحماء والمتعطشين إلى البر - ينتظر يسوع (ورأسه محاط بهالة)، كما قيل في سفر الرؤيا:
وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً، لأَنَّ الرَّبَّ يهوه إله الجنود، هُوَ وَالْخَرُوفُ هَيْكَلُهَا.
(رؤيا يوحنا: 21/ 22).
أما النقوش المكتوبة على أبواب أورشليم الأرضية وأورشليم السماوية فمقتبسة من رسالة غلاطية: 4/ 26- 27؛ حيث قيل:
إنَّ أُورُشَلِيمَ الْحَاضِرَةَ مُسْتَعْبَدَةٌ مَعَ بَنِيهَا أَمَّا أُورُشَلِيمُ السماوية الَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعًا، فَهِيَ حُرَّةٌ؛
وباللاتينية:
quæ nunc est Jerusalem ... quæ sursum est Jerusalem, libera est, quæ est mater nostra.
Comments